كان قد احتفل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعيد الوحدة الوطني برحلة إلى شبه جزيرة القرم، معلناً أن المنطقة ستكون دائماً جزءًا من روسيا، فلماذا تهتم روسيا بالقرم ؟ في هذا المقال سنعرف لماذا ضمت روسيا القرم.
القرم
تقع جمهورية القرم، وهي رسميا لم تزل جزءا من أوكرانيا، في شبه جزيرة تمتد من جنوبي أوكرانيا بين البحر الأسود وبحر آزوف. ويفصلها عن روسيا من الشرق مضيق كيرش.
في اوائل عام 2014، أصبحت شبه جزيرة القرم محور اخطر أزمة بين الشرق والغرب منذ الحرب الباردة، وذلك بعد الاطاحة بالرئيس الأوكراني المنتخب (والموالي لروسيا) فيكتور يانوكوفيتش باحتجاجات شابها العنف في العاصمة كييف.
عند ذاك، قامت قوات موالية لروسيا بالسيطرة على القرم، وبعد ذلك صوت سكان المنطقة – وغالبيتهم من ذوي الأصول الروسية – في استفتاء عام للانضمام الى روسيا الاتحادية. ولكن أوكرانيا والدول الغربية قررت ان الاستفتاء كان غير شرعي.
متى ضمت روسيا القرم
وكانت روسيا قد ضمت القرم من أوكرانيا عام 2014، في أعقاب الإطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي للكرملين، في خطوة اعتبرتها الدول الغربية غير شرعية.
وتفاخر بوتن بالضم أثناء زيارة للمدينة، التي تضم أسطول روسيا في البحر الأسود، الخميس.
وقال: “استعادت بلادنا وحدتنا التاريخية. هذا الرابط الحي الذي لا ينكسر يمكن أن يشعر به على وجه الخصوص هنا في سيفاستوبول، في القرم”.
يصادف يوم الوحدة طرد القوات البولندية الليتوانية التي احتلت موسكو عام 1612؛ بدأ العيد في عام 2005، ليحل محل إحياء ذكرى الحقبة السوفييتية في ذلك التاريخ للثورة البلشفية.
لماذا ضمت روسيا القرم
في العام 2008 كانت ردة الفعل العسكرية الروسية فورية على تدخل جورجيا في أبخازيا وأوسيتيا الشمالية إثر مقتل جنود روس من قوة حفظ السلام بين جورجيا وأبخازيا على يد جنود جورجيين، ومن بيجينغ التي كان يزورها فلاديمير بوتين كرئيس للحكومة الروسية صدرت الأوامر برد الجيش الجورجي على أعقابه بالقوة المسلحة.
أما اليوم، في حالة أوكرانيا، فقد مرت أيام قبل أن تتخذ القيادة الروسية أي إجراء ضد ما سمّته الإنقلاب بالقوة، وذلك لتحميلها المسؤولية الأولى عمّا حصل للرئيس الموالي لها يانوكوفيتش من جهة واتهامه بالخضوع للضغوط الأوروبية والأميركية نتيجة ابتزازه بأمواله وأموال إبنه في المصارف السويسرية والإنكليزية والأميركية التي تقدر بملياري دولار، نتيجة عمليات غير مشروعة في تجارة الفحم الأوكراني وسواه، ومن جهة ثانية لارتباك وتردد القيادة الروسية في اتخاذ قرار محدد لوجود اقتناع عند بوتين تحديداً بأن التصرف حيال أوكرانيا الأوروبية سيكون له تداعياته غير المرئية والخطيرة في العلاقة مع الغرب الأوروبي ومع الولايات المتحدة الاميركية لا بد لموسكو من أن تدرسها جيداً قبل الإقدام على أي خطوة عملية.
إن الرئيس بوتين وقع تحت ضغط الكتل النيابية المعارضة في مجلس الدوما لإتخاذ موقف يحفظ فيه كبرياء روسيا الدولة العظمى ومصالحها. فلجأ، وفق المادة 102 من الدستور، من مجلس الشيوخ الروسي الى طلب الموافقة على استخدام القوة العسكرية في أوكرانيا. ومن جهة أخرى أراد بوتين من خلال هذا القرار توجيه رسالة للغرب بأنه حاضر لمثل هذا الخيار من ضمن الأصول الشرعية والدستورية لإدارة الدولة الروسية، وأن موقفه جاء تلبية لطلب رئيس حكومة شبه جزيرة القرم ذات الحكم الذاتي سيرغي أكسيانوف الموالي لروسيا والذي كان أطاح اخيراً الحكومة الموالية لكييف.
ما هي احتمالات تطور الأوضاع في أوكرانيا في ضوء القرار الروسي وردود الفعل الغربية والأممية عليه؟
إن كانت عين روسيا بالتأكيد على كل أوكرانيا، إلا أن تصريحات القيادات الروسية وبعض خطواتها العملية على الأرض لم تتجاوز شبه جزيرة القرم، وتتركز تحديداً على حماية أمن المواطنين الروس في هذه المنطقة، وكذلك في المناطق الشرقية من أوكرانيا، وبخاصة في مدينتي خاركوف وكراسنودار بغالبيتهما الروسية.
لكن لماذا هذا الاهتمام الروسي بشبه جزيرة القرم؟ شبه جزيرة القرم هي جزء من روسيا الإتحادية تاريخياً، إلا أن خروتشوف الذي تولى السلطة بعد ستالين في العام 1953 وهو من أصول أوكرانية أهدى شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا وأعاد إليها التتار الذين كان ستالين هجّرهم منها إلى سيبيريا وأوزبكستان.
تبلغ مساحة شبه جزيرة القرم 27 الف كيلومتر مربع ويبلغ عدد سكانها حوالى مليوني نسمة. 58% منهم من أصل روسي و28% أوكران و12% مسلمون تتار، والباقون من الأقليات البولونية، والآذرية، والروس البيض، وغيرهم.
شبه جزيرة القرم غنية بالمعادن، والنفط والغاز، والفحم الحجري والنحاس، ويقع فيها أهم مرفأ على البحر الأسود وهو مرفأ مدينة سيفاستوبول الذي يتموضع فيه الأسطول الروسي. وتقع فيها يالطا إحدى المدن التاريخية التي جرى فيها توقيع المعاهدة الشهيرة بين ستالين وروزفلت وتشرتشل في شباط من العام 1945.
وشبه جزيرة القرم هي أرض التتار تاريخياً، بلغ عدد سكانها حوالى ستة ملايين نسمة في العام 1886 وتقلص هذا العدد إلى 850 ألف نسمة في العام 1941 وإلى 450 ألف نسمة في العام 1946 بسبب عمليات القتل والتهجير التي مارسها ستالين ضد التتار.
اليوم وفي ظل الموقف العنصري الأوكراني كما يروج الروس، تنتعش في ذاكرة الروس الأوكران الأصول التاريخية الروسية لشبه جزيرة القرم وقد يذهبون بسبب ذلك إلى الدعوة للإنفصال عن أوكرانيا التي تتشكل من 24 محافظة وجمهورية ذات حكم ذاتي هي جمهورية شبه جزيرة القرم.
وقد دعت حكومة شبه الجزيرة إلى استفتاء على الإنفصال أو على توسيع صلاحيات السلطات المحلية في 30 من آذار الجاري مستبقة بذلك الانتخابات الرئاسية الأوكرانية المبكرة المقررة في 25 أيار المقبل.
وبهذا نصل إلى ختام مقالنا، دمتم بخير.