سنتعرف على قصة صاحب الجنتين ، حيث وردت في القرآن الكريم و تحديداً في سورة الكهف وهي تعود لرجل أعطاه الله بستانين جميلين في وسطهما أشجار الكروم ويحفهما النخل ، وبين الجنتين الزرع الأخضر، وتتفجر من خلال هاتين الجنتين عيون الماء العذب، و يخرج منهما ثمار كثيرة في غاية الجود وهي نعم رصدتها سورة الكهف بشكل دقيق “واضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا”.
سجال بين صاحب الجنتين وصديقه المؤمن
وفي يوم من الأيام اصطحب مالك البستانين أحد أصحابه المؤمنين ليريه ما لديه فقال له كما يخبرنا القرآن الكريم “وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا” أي أنا أكثر منك مالاً كما ترى في هاتين الجنتين، وأعز نفراً بما أملكه من خدم ، الحوار بين الرجلين استمر داخل البستان أو الجنتين حيث خاطب الغني صاحبه الفقير بالقول :”لا أظن أن تفنى هذه الجنة بل ستدوم أبداً ، كما و ما أظن أن تقوم الساعة ، و على فرض أنها ستقوم فإنني سأعطى خيراً منها”
حيث عبر القرآن عن هذا المعني بشكل دقيق ، و هذا ما جاء في في قوله تعالي : “فَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا”.
غير أن هذا الكلام من صاحب الجنتين لم يجد آذاناً صاغية عند صاحبه المؤمن ، حيث أخذ يعاتبه ويزجره عما يقول وبدأ ينصحه بأن يعترف بفضل الله عليه وأن يحمده على ما آتاه من نعم ويخبرنا القرآن عن قوله لصاحبه: “قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا* وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا”، و ذهب يحذره من سوء عاقبة الكفر وجحود النعمة قائلاً كما يروى القرآن “فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا”.
الجحود بنعم الله عواقبه كارثية
كما حذر الرجل المؤمن وقعه وقع بشكل كربوني لصاحبه الجاحد بنعمة الله فأرسل على جنتيه العذاب وأصبحتا خاويتان على عروشهما فراح يندم على جحوده وكفره وما فعله في حق الله، وهذا ما يخبرنا به القرآن ” وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا”
و أيضاً في تلك القصة وجهتا نظر مختلفتان للحياة ، وما فيها من رزق متفاوت بين الناس ، فقد خلق الله تعالى الغنى والفقر لحكمة ربانيّة ، فنجد أن أحداثها تدور بين رجلان ، رجل مؤمٌن فقيٌر ، لم يعطه الله مالاً كثيراً ، ولم يمن عليه بنعم كتلك التي أعطاها لصاحب الجنتين ولكنّه متوكّلٌ على الله ، مؤمنٌ بالله حقّ الإيمان ، لأنّه يعلم يقينًا أنّ الحياةَ الدنيا إلى زوال ، وهي لا تساوي عند الله جناح بعوضة ، وأن الدار الآخرة خير وأبقي ، أما الرجل الآخر فهو صاحب الجنتين الذي فتن بأملاكه ، وظنّ أن هذا النعيم الدنيوي نعيم دائم لن يزول ؛ وقد كفر بنعمة الله عليه رغم سعة رزقه وعظيم سلطانه .
وبدلاً من أن يشكر الله تعالى على نعمه العظيمة طغى وتكبر وكفر بالنعمة ، بل وتجاوز الأمر بأن تكبر على الرجل الفقير الذي يجاوره ، وهو عبد مثله من عباد الله “وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا ” .
صاحب الجنتين والندم
حيث أنه لم يكن هناك خيار أمام صاحب الجنتين من خيار سوي الندم ، ولكن بعد زوال النعمة العظيمة التي كان يمتلكها ، و ذلك بسبب كفرهِ وغروره ” وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا*وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا”.
لعل أبرز ما تقدمه قصة صاحب الجنتين من دروس وعبر أن عواقب الجحود بنعم الله التكبر عليه سبحانه وتعالي وخيمة وأن شكر الله علي هذه النعم دون غرور يتم عبر التصدق بالمال علي الفقراء والمعوذين باعتباره التصدق صورة من صورة شكر الله وبل أن الصدقة تمنع بلاء عظيما وقع علي صاحب الجنتين نتيجة جحوده وعناده.
و بهذا نصل إلى ختام المقال الذي من خلاله عرضنا لكم قصة صاحب الجنتين ، كما ذكرنا لكم كافة التفاصيل الواردة في هذه القصة ، نتمنى أن ينال إعجابكم .