رحلة الإسراء والمعراج
في عام621 م ما بين السنة الحادية عشر إلى الثانية عشر من البعثة حدثت أكبر معجزة حسيّة مع خاتم الأنبياء محمد – صل الله عليه وسلم- ألا وهي معجزة الإسراء والمعراج حيث أن النبي محمد أسرى من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى بيت المقدس بروحه وجسده على دابةٍ تسمى البراق برفقة جبريل – عليه السلام- وقد بدأت في عام الحزن الذي فقد فيه نبي الله محمد زوجته خديجة بنت خويلد وعمه أبو طالب فأصاب الرسول حزنٌ شديد على فراق من كانوا يؤازرونه، وضاقت الأرض به بما لاقاه من تكذيبٍ له ولرسالته التي جاء بها، فكان يمضي في سبيل نشر هذا الدين فذهب للطائف يدعوا اهلها للإسلام وأن يعبدوا الله وحده ولا شريك له، فكذبوه وسلطوا عليه صغارهم يرجمونه بالحجارة حتى سالت الدماء من قدميه الشريفتان، فحزن حزنًا شديد فاستند إلى شجرة يدعو ربه ” اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل على سخطك، لك العُتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك”
مواساة الله لنبيه.
فأراد الله – جل جلاله- أن يواسي نبيه ويكرمه فأرسل إليه جبريل – عليه السلام – بينما هو نائم في حجرته فهز قدمه فاستيقظ النبي محمد وجلس فلم يرَ شيئًا أمامه فعاد النوم فأتاه مرة ثانية وهز قدمه فاستيقظ وجلس ولم يرَ شيئًا فعاد للنوم، فأتاه المرة الثالثة فجلس رسول الله فشد جبريل على عضده فحينها قام النبي معه وخرج لباب المسجد ليجد دابّةً بيضاء بين البغل والحمار، في فخذيها جناحان تحفّز بهما رجليه، فحمله في رحلةٍ من مكة المكرمة لبيت المقدس في فلسطين فوجد نفرٌ من أنبياء الله فأمّهم النبي محمد في صلاته، ثمّ أُتاه جبريل بوعائين، في أحدهما خمر، وفي الآخر لبن. قال: خذ. فأخذ النبي محمد إناء اللبن وشرب منه، وترك إناء الخمر. فقال لهُ جبريل: هديتَ للفطرة، وهديت أمّتك يا محمّد، وحرّمت عليكم الخمر وثبت عن النبي أنه قال: (أُتِيتُ بالبُراقِ، وهو دابَّةٌ أبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الحِمارِ، ودُونَ البَغْلِ، يَضَعُ حافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، قالَ: فَرَكِبْتُهُ حتَّى أتَيْتُ بَيْتَ المَقْدِسِ، قالَ: فَرَبَطْتُهُ بالحَلْقَةِ الَّتي يَرْبِطُ به الأنْبِياءُ، قالَ ثُمَّ دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فيه رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَجاءَنِي جِبْرِيلُ -عليه السَّلامُ- بإناءٍ مِن خَمْرٍ، وإناءٍ مِن لَبَنٍ، فاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فقالَ جِبْرِيلُ: اخْتَرْتَ الفِطْرَةَ).
حادثة المعراج.
بعد ذلك بدأت حادثة المعراج بصعودِ الصَّخرة المُشرَّفة؛ حيث سارَ جبريلُ بالرّسول إليها ثمَّ حملَهُ منها على جناحِهِ ليصعَدَ بهِ إلى السَّماءِ الدُّنيا، وظل يرتقي حتى بلغ السماء السابعة حيث سدرة المنتهى، فرأى في السماء الدُنيا آدم -عليه السّلام-، فسلّم عليه، وأقرّ بنبوّته، وأراه أرواح الشهداء عن اليمين، وأرواح الأشقياء اليسار، ثُم رأى في السماء الثانية يحيى وعيسى -عليهما السّلام-، وفي السماء الثالثة رأى يوسف -عليه السّلام-، وفي الرابعة إدريس -عليه السّلام-، وفي الخامسة هارون -عليه السّلام-، وفي السادسة رأى موسى -عليه السلام-
يقول تعالى في سورة النجم: (وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) صدق الله العظيم، ثُمّ دنا من الله -تعالى- حتى كان قاب قوسين أو أدنى، وفرض الله -تعالى- عليه الصلاة، وكانت في بدايتها خمسون صلاة حتى أصبحت خمس، وذلك لمّا طلب منه موسى -عليه السّلام- أن يرجع إلى الله -تعالى- ويسأله التخفيف، روى البخاري ومسلم، قال صلى الله عليه وسلم: «فرجعت فمررت على موسى، فقال: بما أُمِرْتَ؟ قال: أُمِرْت بخمسين صلاة كل يوم، قال: إِنَّ أُمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فرجعت، فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله… فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال: سألت ربي حتى استحييت ولكني أَرْضَى وأُسَلِّم».
عودة الرسول لمكة وقص رحلته عليهم.
فانتهت رحلة رسول الله -صل الله عليه وسلم – وعاد إلى مكة وأخبر أهل قريش الخبر، ارتد كثيراً ممن كان أسلم، وذهب الناس إلى أبي بكر، فقالوا له هل لك يا أبي بكر في صاحبك يزعم أنه قد جاء هذه الليلة من بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة ؟ فقال أبو بكر: إنكم تكذبون عليه ! قالوا بلى، ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس، فقال أبو بكر: والله لئن كان قالها فقد صدق، فما يعجبكم من ذلك ! فوالله إنه ليخبرني أن الخبر لياتيه من الله من السماء إلى الأرض في ساعةٍ من ليل أو نهار فأصدقه، فهذا أبعد مما تعجبون منه، ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله -صل الله عليه وسلم- فقال: يا نبي الله احدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة ؟ قال نعم، قال يا نبي الله فصفه لي ؟ فرفعه الله أمامه، فجعل رسول الله- صل الله عليه وسلم- يصفه لأبي بكر ويقول أبو بكر: صدقت، أشهد أنك رسول الله، كلما وصف له منه شيئاً، قال صدقت، أشهد أنك رسول الله، حتى إذا انتهى قال – صل الله عليه وسلم – لأبي بكر وأنت يا أبا بكر الصديق فيومئذ سماه الصديق.
وأرتد الكثير ممن كانوا قد أسلموا فأنزل الله قوله تعالى: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً).