يعد المثل الشهير “اطلبوا العلم ولو في الصين” الذي رقاه البعض ليكون حديثا مروياً عن النبي محمد، إلا أن بعض العلماء ضعفه لعلل يعرفها رواة الحديث، لخير دليل على أهمية التبادل المعرفي كما تنتشر بين الناس هذه الرواية معتقدين أنها حديث صحيح، ولكنها غير ثابتة عن الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ويجب الحذر من الترويج لأنه رواية باطلة، رواها العقيلي وابن عدي عن أنس مرفوعًا، قال ابن حبان: “وهو باطل لا أصل له”. لنعرف أكثر تابعوا معنا المقال .
المقولة كاملة : اطلبوا العلم ولو في الصين
التبادل المعرفي
فمنذ أن انطلقت القوافل التجارية ما بين أرض العرب بالجزيرة العربية والصين، والتبادل العلمي والمعرفي لم ينقطع، إذ أخذ الصينيون من العرب شتى العلوم في الرياضيات والجبر والفلك والضوء وانكساراته، وكذلك الفن بشتى نواحيه، خصوصاً ما يتعلق ببعض الآلات الموسيقية كالعود والناي الشهيرتين لدى العرب.
في حين صدرت الأمة الصينية للعرب الطب والتنجيم، وبعض المعارف والفنون الأخرى.
يذكر أنه في أيامنا الحاضرة، تبتعث وكالة الابتعاث بوزارة التعليم السعودية 373 طالبا وطالبة إلى مختلف الجامعات الصينية، ضمن إحصائية أصدرتها وكالة الابتعاث للدارسين والمبتعثين في الدول الثلاث التي زارها ولي العهد خلال جولته في آسيا.
أما أبرز التخصصات التي يدرسها السعوديون في الصين، بحسب الملحقية الثقافية في الصين، فهي: “طب الأسنان، والهندسة والصناعات الهندسية والمعمارية والمعلوماتية، والقانون والفنون، والعلوم الفيزيائية والاجتماعية والسلوكية، فضلاً عن تخصصات في الطب والرياضيات والإحصاء والدراسات الإنسانية”.
إن طلب العلم فريضة على كل مسلم إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يطلب. قال عنه الإمام العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: حديث اطلبوا العلم ولو بالصين أخرجه ابن عدي والبيهقي في المدخل والشعب من حديث أنس. وقال البيهقي: متنه مشهور وأسانيده ضعيفة وقال الإمام المناوي في فيض القدير: قال ابن حبان: باطل لا أصل له والحسن ضعيف وأبو عاتكة منكر الحديث وفي الميزان أبو عاتكة عن أنس مختلف في اسمه مجمع على ضعفه.. وحكم ابن الجوزي بوضعه ونوزع بقول المزي: له طرق ربما يصل بمجموعها الحسن.
فضل العلم ودرجة العلماء
عن أبى الدرداء رضى الله عنه قال سمعت رسول الله يقول: «منْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، حَتَّى الْحِيتَانِ فِي الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا ، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ». أخرجه أحمد.
هذا هو الحديث الصحيح الذى يدلل على فضل العلماء وأنهم ورثة الأنبياء وأن طريق الجنة مفتوح لملتمس العلم وأن فضل العالم يفوق فضل العالم لجلال مهمته، وشرفها.
1- أنَّه إرث الأنبياء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن سلَك طريقًا يَطلب فيه علمًا، سلَك الله به طريقًا من طرق الجنَّة، وإنَّ الملائكة لَتضعُ أجنحتَها لطالب العلم رضًا بما يَصنع، وإنَّ العالِم ليَستغفر له مَن في السموات ومَن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإنَّ فضل العالِم على العابِد كفضل القمر ليلة البَدر على سائر الكواكب، وإنَّ العلماء ورثَة الأنبياء، وإنَّ الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا؛ إنَّما ورَّثوا العلمَ، فمَن أخذه، أخذ بحظٍّ وافِر».
2- أنه يبقى والمال يَفنى: روى أبو هريرة رضي الله عنه مِن فقراء الصَّحابة، حتى إنَّه يَسقط من الجوع كالمغمى عليه، وأسألكم بالله: هل يَجري لأبي هريرة ذِكرٌ بين الناس في عصرنا أم لا؟ نَعم يَجري كثيرًا؛ فيكون لأبي هريرة أجرُ مَن انتفع بأحاديثه؛ إذ العلمُ يبقى والمال يَفنى.
3- أنه لا يُتعب صاحبه في الحراسة: لأنَّه إذا رزقك الله علمًا فمحله القلب، لا يَحتاج إلى صناديق أو مفاتيح أو غيرها، هو في القلب مَحروس، وفي النفس محروس، وفي الوقت نفسه هو حارِس لك؛ لأنَّه يحميك من الخطر بإذن الله عزَّ وجل، فالعلم يَحرسك، ولكنَّ المال أنت تَحرسه، تجعله في صناديق وراء الأغلاق، ومع ذلك تكون غير مطمئنٍّ عليه.
4- أن الإنسان يتوصل به إلى أن يكون من الشهداء على الحق: والدليل قوله تعالى: «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ » [آل عمران: 18]، فهل قال: أولو المال؟ لا، بل قال: «وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ»، فيكفيك فخرًا يا طالب العلم أن تكون ممَّن شهِد لله أنَّه لا إله إلَّا هو مع الملائكة الذين يَشهدون بوحدانيَّة الله عزَّ وجلَّ.
5- أن أهل العلم هم القائمون على أمر الله تعالى حتى تقوم الساعة: ويستدلُّ لذلك بحديث معاوية رضي الله عنه يقول: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن يُرِدِ الله به خيرًا يفقِّهه في الدين، وإنَّما أنا قاسِمٌ والله يُعطي، ولن تَزال هذه الأمَّة قائمة على أمر الله لا يضرُّهم من خالَفَهم حتى يأتي الله بأمره»؛ رواه البخاري، وقد قال الإمام أحمد عن هذه الطَّائفة: “إن لَم يَكونوا أهل الحديث، فلا أدري مَن هم”، وقال القاضي عياض رحمه الله: “أراد أحمد أهلَ السنَّة، ومَن يَعتقد مذهبَ أهل الحديث”.
وبهذا نصل الى ختام مقالنا ونكون قد تعرقنا على مقولة اطلبوا العلم ولو في الصين وأنها ليس لها أصل في السنة انما مقولة وذكرنا فضل العلم ودرجة العلماء ونتمنى لكم طيب القراءة ودمتم في حفظ الله.